الخميس، 24 نوفمبر 2011

معركة المفاهيم والمصطلحات في واقعنا العربي الاسلامي 4

لم يختلف المفكرون على شيء قدر اختلافهم على تعريف أو تحديد معنى ومضمون كلمة الثقافة وعلى أبعاد ما تمثله في مسيرة الحضارة "المجتمع". وهناك من قال إن تعاريف الثقافة زادت عن مئتي تعريف، ولكنها جميعها تلتقي عند نقطة مؤداها أن الإنسان لا يمكن أن ينفصل عن الثقافة. لذلك سنحاول أن نقدم بعض التعاريف الغربية والعربية للثقافة دون إسهاب. ونبدأ بأقدم التعريفات وأكثرها ذيوعاً حتى الآن لقيمته التاريخية، وهو تعريف إدوارد تايلور، الذي قدمه في أواخر القرن التاسع عشر كتابه عن "الثقافة البدائية" والذي ذهب فيه إلى أن الثقافة: "كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات، والفنون و الأخلاق، والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع". وهكذا يبرز هذا التعريف العناصر اللامادية لحياة الناس في جماعة، كالأخلاق والقانون والعرف التي تنشأ نتيجة للتفاعل الاجتماعي، وتأخذ طابعاً إلزامياً، إلى جانب العنصر المادي الثقافي، علاوة على العلاقات بين الناس، وبين العناصر المكونة للثقافة. ولعله من أبسط تعريفات الثقافة وأكثرها ذيوعاً ووضوحاً تعريف أحد علماء الاجتماع المحدثين روبرت برستد، الذي ظهر في أوائل الستينيات، حيث يعرفها بقوله: "إن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، أو نقوم بعمله، أو نمتلكه كأعضاء في مجتمع".. يبرز هذا التعريف الصيغة التألفية للثقافة لتصبح ظاهرة مركبة تتكون من عناصر بعضها فكري وبعضها سلوكي وبعضها مادي([1]). ولأن الثقافة تنتشر بين الناس بواسطة الاتصال الاجتماعي، أي بواسطة النماذج التي يقدمها المجتمع، فقد عرفها الفيلسوف الأمريكي جون ديوي: (بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته) ([2]). وحصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته تتمثل في نموذج أو طريقة حياة المجتمع، ذلك النموذج أو تلك الطريقة هو الغاية التي يسعى كل مجتمع لتحقيقها في سلوك وحياة أفراده، الذين بدورهم يحاولون خلق النظام الاجتماعي الذي يتكون من مجمل عقائد وعادات وتقاليد.. أي مجتمع، وعلى ذلك عرفها المؤرخ الأمريكي ول ديورانت "الثقافة هي النظام الاجتماعي والتشريعي والخُلقي والنشاط الثقافي"[3]. أما المفكر الأمريكي الذي أثارت كتاباته بداية العقد التاسع من القرن الماضي ولازال صخباً إعلامياً وثقافياً بين أنصار نظريته "صدام أو صراع الحضارات" ومعارضيها صموئيل هنتنجتون فيعتبر "أن لب الثقافة ينطوي على اللغة، الدين، القيم، التقاليد، والعادات"[4]. وقد اهتم مالك بن نبي بالثقافة اهتماماً كبيراً، لِما لها من أهمية في حياة الفرد والمجتمع، ولما شاب هذه الكلمة من شوائب كثيرة تحتاج إلى تنقية، والثقافة عند ابن نبي هي نظرية في السلوك، أكثر منها نظرية في المعرفة، وبهذا يمكن أن يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم، والثقافة هي المحيط الذي يعكس حضارة معينة. لذلك عرفها: "الثقافة هي مجموعة من الصفات الخُلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته، كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته"[5]. وكما أنه لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي يتسم بها ويعيش فيها، فإنه لكل ثقافة ميزاتها وخصائصها التي تحدد شخصيتها، كما أن للثقافة مقومات مادية ومقومات معنوية: فأما المادية فتتألف من طرائق المعيشة والأدوات التي يستخدمها أفراد المجتمع في قضاء حوائجهم والأساليب التي يصطنعونها لاستخدام هذه الأدوات، كذلك الأزياء وأسلوب الترفيه والتكنولوجيا كل هذا أمور تشملها الثقافة المادية، أما المقومات المعنوية للثقافة، فهي مجموعة العادات والتقاليد التي تسود المجتمع والتي يتوارثها أفراده جيلاً بعد جيل، مثل القانون والعرف والقيم والدين والآداب والعادات والتقاليد التي تسود المجتمع وتحدد علاقة أفراده بعضهم ببعض([6]).
غالباً هناك اتجاهين في تعريف الثقافة، أحدهما ينظر للثقافة على أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والتفسيرات العقلية والرموز والأيديولوجيات، وما شاكلها من المنتجات العقلية "التحيزات الثقافية"، أما الاتجاه الآخر فيرى الثقافة على أنها تشير إلى النمط الكلي لحياة شعب ما، والعلاقات الشخصية بين أفراده وكذلك توجهاتهم"أنماط العلاقات الشخصية". أما عندما نود أن نرمز إلى تركيبة حية من العلاقات الاجتماعية والتحيز الثقافي فنحن نتحدث؛ إذن، عن نمط الحياة... فبين العلاقات والتحيزات علاقة تبادلية، وكل منهما تتفاعل مع الأخرى وتقويها، ذلك أن الالتزامات بأنماط معينة للعلاقات الاجتماعية يولد طريقة متميزة في النظر إلى العالم، كما أن رؤية العالم بطريقة معينة يبرز نموذجاً منسجماً معها للعلاقات الاجتماعية[7]. ذلك النمط الكلي لحياة شعب ما؛ الذي يُترجم إلى سلوك وصفات تميز المجتمع عن غيره، هو نفسه الذي يميز العلاقة بين الثقافة والمجتمع؛ التي تحكمها حقيقتين أساسيتين: إحداهما أن الإنسان كائن اجتماعي، أما الأُخرى فتتصل بالسلوك الإنساني الذي صدر في أشكال أو أنماط منتظمة، وفي صورة على قدر من الاطراد والتواتر. ذلك الاطراد والتواتر في السلوك الإنساني وفي الحياة الجمعية؛ هو ما دفع الباحثون في العلوم الاجتماعية إلى استخدام مفهومين ما زالا من المفاهيم الأساسية في الحقل الاجتماعي، وهما الثقافة والمجتمع. وكما أن مفهومي الحضارة والمجتمع متلازمين، فإن العلاقة بين مفهومي الثقافة والمجتمع وثيقة جداً نظرياً وفي الواقع الاجتماعي، وحتى لو أمكن التفرقة النظرية بينهما، إلا أن الظواهر التي يعبران عنها لا ينفصل بعضها عن بعض في الحقيقة والواقع. فالثقافة لا توجد إلا بوجود مجتمع، ثم إن المجتمع لا يقوم ويبقى إلا بالثقافة. إن الثقافة طريق متميز لحياة الجماعة، ونمط متكامل لحياة أفرادها. ومن ثم تعتمد الثقافة على وجود المجتمع ، ثم هي تمد المجتمع  بالأدوات اللازمة لاطراد الحياة فيه، لا فرق في ذلك بين الثقافات البدائية والحديثة. بصفة عامة؛ إن الثقافة هي التي تميز بين فرد وآخر، وبين جماعة وأخرى، وبين مجتمع وآخر([8]). وما دامت الثقافة هي الطريقة التي يُصمم من خلالها أي مجتمع رؤيته للعالم ونموذج حياته، إذن يكون دور الثقافة في المجتمع هو: تنظيم الوظائف والدوافع الإنسانية في سلوك إنساني منظم طبقاً للافتراضات والاعتقادات الخاصة بكل جماعة. فالثقافة تعمل من خلال كائنات إنسانية وهم بدورهم، ومن خلال سلوكهم المنظم، يحاولون خلق النظام الاجتماعي، فالأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى تحاول أن تعلم الأطفال الاعتقادات الرئيسية والافتراضات الأساسية النابعة من الدين والقانون والقيم والتقاليد، حتى يتعلم الطفل أن يكون سلوكه مقبولاً ممن حوله. فالنظام الاجتماعي في هذه الحال، يبدو وكأنه الطريق التي تصور شخصيات الأفراد المختلفة عندما تقبل وتترجم تعاليم الثقافة الخاصة بها، وتتعلم كيف تقوم بالممارسات المصدق عليها من الجماعة، والخاصة بالحياة النظامية باعتبارها وسيلتهم في الحياة. فالنظام الاجتماعي لا يظهر قوى كونية خارجية ولكن من أنماط السلوك الإنساني الذي تعضده قيم وتقاليد الجماعة([9]).
على ذلك؛ فإن الثقافة تلعب دوراً مهماً في حياة الفرد كعضو في المجتمع، فالمجتمع هو نتاج تفاعلات الأفراد والجماعات مع بعض، والثقافة هي القوة الدافعة لذلك التفاعل، بل هي القوة التي تحافظ على هوية المجتمع، من خلال ضبطها لعمليات الاكتساب عند الفرد والجماعة والمجتمع لكل جديد بشرط التوافق مع تراث وهوية المجتمع وعدم معارضته.
الحضارة هي الثقافة مكبرة:
تبين معنا من خلال الحديث عن العلاقة بين الحضارة والثقافة والمجتمع؛ أنه وإن كان من الممكن التفريق بينهما نظرياً إلا أن الظواهر التي يعبران عنها لا تنفصل عن بعضها في الحقيقة والواقع. على ذلك؛ هل هناك اختلاف بين كلمتي الحضارة والثقافة في المعنى والمضمون؟ وهل ممكن أن تشير كل منهما إلى معنيان مختلفان؟ أم أنهما متفقتان في المعنى والمضمون ويشيران إلى نفس الشيء؟ يرى الأُستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس؛ أن دارسوا الحضارات يكادوا أن يجمعوا على أن: الحضارة وإن تكونت من عناصر كثيرة، إلا أن أهم عنصر فيها هو العنصر الثقافي، وأن أهم عنصر في الثقافة هو الدين. وفي تلخيصه لأقوال من نقل عنهم صموئيل هنتنجتون في كتابه "صراع الحضارات" يوضح بإيجاز الفرق بين "حضارة" و"ثقافة"، بأن سائر المفكرين الغربيين يرون أن الحضارة والثقافة كليهما تشيران إلى منهاج حياة أمة من الناس، وأن الحضارة إنما هي الثقافة مكبرة، وأن كليهما يشمل القيم والمعايير والمؤسسات وطرائق التفكير السائدة في أمة من الناس وأن الدين هو أهم العناصر المكونة للحضارة، وأن الحضارة ليست متطابقة مع العِرْق؛ فأصحاب العرق الواحد قد ينتمون إلى حضــارات مختلفة، كمـا أن الحضـــارة الواحـــدة ـ كالحضارة الإسلامية ـ قد تضم مجتمعات مختلفة الأعراق والألوان والأشكال. والحضارة هي أوسع وحدة ثقافية؛ فأهل قريةٍ إيطاليّةٍ مثلاً قد يتميزون ثقافياً عن قرية إيطالية أخرى، لكنهم يشتركون في ثقافةٍ إيطاليةٍ تميزهم عن أهل القرى الألمانية. والألمان والإيطاليون ينتمون إلى ثقافة أوروبية تميزهم عن الجماعات الصينية والهندية. هذا الذي يجمع الأوروبيين هو حضارتهم التي تميزهم عن الحضارات الصينية والهندية. فالحضارة هي أعلى تجمُّع ثقافي للناس، وأوسع مستوى للهوية الثقافية لهم. وليس فوق الانتماء الحضاري للناس إلا انتماؤهم إلى الجنس البشري[10]. بمعنى آخر؛ يمكننا أن نقول: إن الحضارة أشمل وأعم من الثقافة على الرغم من أنهما لهما نفس العناصر والمكونات، ذلك لأن "الثقافة" تعني المحصلة الكلية للتراث الإنساني والاجتماعي سواء كان هذا التراث مادياً أو غير مادياً، بينما "الحضارة" تشير إلى نسق خاص منظم من الثقافة تتميز بالشمولية والاستمرارية ـ لا يحدد الشعب أو سلالة أو إقليم معين. فيمكننا أن نتحدث عن الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية والحضارة الأمريكية..إلخ، ذلك لأنها تتميز بالاستمرارية والشمولية واحتوائها لأكثر من بقعة وجنس معين ومن ناحية أخرى نقول ثقافة مصرية، وثقافة فرنسية ...إلخ. ويقصد هنا أسلوب الحياة الفكري والمادي الذي يكتسبه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك([11]). ومن المعنى الأخير الذي أشرنا إلى أنه هو الذي يميز بين الحضارة والثقافة؛ يكون الفارق بين الثقافة والحضارة بسيط جداً، على اعتبار أن الأولى جزء من الثانية، جزء من كل، ولا تعكس هذه الحقيقة العلمية، وإذا ما سألنا: لماذا هذه الحقيقة ليست علمية؟ أجابنا داعية وجوب تبني فلسفة إنسانية تقوم على الثقافة، الألماني هانز ألبرت شتيغر، أنه: لابد هنا أن نميز بين الثقافة بمعناها الحضاري، والثقافة بمعناها الذهني المجرد. ذلك ينقلنا إلى الحديث عن:

علاقة الثقافة بالتاريخ والوعي
يُجيب شتيغر: بأن ذلك هو جزء من الصراع بين الفلسفة والدين، فقد كان العداء هو الطابع العام الذي حكم علاقة الفلسفة بالدين، باستثناء فترات متقطعة من التاريخ، والفلسفات كانت تبحث دوماً عن مبدأ تعتمد عليه يساعدها على الانتشار، في الوقت الذي عجزت فيه أن تبني لنفسها حضارة تسمى حضارة الفلسفة كما كانت هناك حضارة الأديان. ولو أردنا التعمق أكثر في هذه الناحية لوجب أن نسأل ـ لماذا هناك حضارة "مسيحية" وحضارة إسلامية ولم تكن هناك حضارة نيتشة أو حضارة كيركيغارد؟ الأمر واضح هنا ويمكن أن يشكل ختام البحث. في الفلسفة لم يكن هناك أي اهتمام أن تتحول المعرفة إلى الممارسة .. المعرفة الفلسفية اُستخدمت كأداة للبحث والتحري ولم تستخدم وسيلة في الممارسة، والتعاليم الفلسفية ظلت بالمطلق من ناحية التطبيق، وإن اُستخدمت في تبرير أنظمة سياسية معينة .. وقيام  مدارس في البحث والمنطق .. بينما عمدت الديانات كلها، الوضعية والسماوية ـ على حد سواءـ إلى الممارسة، فكان مقدار الولاء هو في مقدار التمسك بممارسة تلك التعاليم. ومن هنا نرى أن تمسك المسلم بدينه أدى إلى قيام حضارة إسلامية، تتشابك في أذهاننا فنسميها تارة حضارة إسلامية وتارة نسميها ثقافة إسلامية .. ولو بحثنا لوجدنا أن الفواصل تنهدم بين الثقافة والحضارة، وهي منهدمة بطبيعتها بين الثقافة والوعي .. ولذلك يمكن أن يتضمن التعريف أيضاً الحديث عن الوعي الإسلامي فنكون كمن يتحدث عن الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية .. وما ينطبق هنا ينطبق بالنسبة للحضارة "المسيحية" والثقافة المسيحية والثقافة اليهودية والحضارة اليهودية بمعنى الحضارة الأوسع والأشمل أي الالتزام وبناء شخصية متميزة. هكذا أصبح واضحاً معنا أن الثقافة والحضارة والمجتمع جميعها لها نفس المعنى والدلالة، واستعمال مفردة منها يدل على بقية المفردات، وعلى ذكر علاقة الثقافة بالوعي والممارسة، وأن الثقافة هي الوعي، قبل أن نتحدث عن علاقة الحضارة أو الثقافة أو المجتمع بالدين، سنتحدث عن دور التفاعل كشرط للحضارة، والفعالية كأحد أهم خصائص الحضارة الغربية. إذ يرى شتيغر أنه لا يمكن أن نفهم علاقة الثقافة بالتاريخ، والوعي قبل أن نكشف العلاقة بين الثقافة ومفهوم الدولة والسيادة. ذلك أن حصر معنى القومية والوطنية ضمن مفاهيم سيادة الدولة قد أثر إلى حد بعيد على تصورنا الحالي للثقافة التي هي الكل، وإن عوامل تكون تلك الثقافة إنما هي الممارسة. فبودين في تعريفه للسيادة الوطنية جعل الثقافة من أكبر عوامل المفهوم الحديث للدولة. وبذلك لا يمكننا فصل الثقافة عن المفهوم الوطني أو القومي والسياسي للمواطن. بمعنى آخر؛ لا توجد ثقافة وراء مفهوم المواطنة، الذي هو مفهوم ال انتماء وليس مفهوم الالتزام، فالمواطن يعتبر مواطناً لأنه ينتمي غريزياً وتلقائياً وطبيعياً بينما الالتزام هو حصيلة قناعة فردية محدودة الأبعاد أولاً، ومحدودة المراحل ثانياً، ثم هي محدودة الفعالية بحكم طبيعة ما نلتزم به كأفراد أو جماعات. وبهذا المعنى تكون كثير من حروب السيادة والاستقلال الأوربية وما سمي بالحروب الأهلية بين الشعوب الأوروبية هي في واقع الحال حروب ثقافية من الدرجة الأولى، لذا نحن في حاجة إلى إعادة دراسة التاريخ الثقافي لإعادة النظر في مفهومنا للثقافة، فالتاريخ والثقافة متلازمان لا يسبق الوعي فلا قيمة له إطلاقاً، لأن أي حدث يقع خارج دائرة الوعي لا قيمة له، ويشترط لكي يكون الحدث حدثاً بالفعل، وجود الوعي بذلك الحدث، والوعي لا يعني لا قيمة له. ويشترط لكي يكون الحدث حدثاً بالفعل، وجود الوعي بذلك الحدث، والوعي لا يعني المعرفة المجردة، لأنه لو كان كذلك لوجدنا الثقافة عملية جمع المعلومات فقط وحفظها لحين الحاجة، فالوعي هو الذي يفرق بين الثقافة والمعرفة. وكما أنه هناك فرق بين الثقافة وال معرفة، فإنه هناك فرق بين الثقافة الأكاديمية والثقافة ـ الممارسة. ففي الأولى تكون الثقافة جزء من التاريخ ، ونتاج التاريخ أيضاً، وفي الثانية تكون الثقافة هي الوعي، وهنا يمكننا القول أن الوعي بدأ قبل التاريخ، أي أن الوعي بالحدث هو الذي يدخل الحدث إلى التاريخ، وكذلك يمكننا القول أن التاريخ هو جزء من الثقافة .. أي أنه جزء من الوعي، ينجم عنه ويتأثر به. ويمكن اختصار العلاقة بين الثقافة والتاريخ، والعلاقة بين الثقافة والوعي، بأنه لا يمكن لإنسان أن يكون مثقفاً دون وعي، يمكن أن نسميه أي شيء ولكن ليس مثقفاً بالمعنى التاريخي والحقيقي للكلمة، لأن الثقافة "فعل إرادة"، ولا يتأتى ذلك بدون "الوعي".
ولكن ما علاقة كل ذلك بعلاقة الثقافة بمفهوم الدولة والسيادة؟ وبأنها جزء من الحضارة؟ في القرون الماضية اقترنت الثقافة بالفلسفة، مما أضفى على الفلسفة صفة التحليل والفوضى في الأسس دون اعتماد مبدأ تطبيق الممارسة، وقد عاش الفلاسفة في شبه أبراج عاجية يبشرون وينشرون أفكارهم في أواسط محدودة وضيقة.. ولما جاء عصر التنوير في أوروبا حولت تلك الفلسفات إلى شروح فقط، وصار هم الفرد المتعلم أن يقرأ الشروح حول فلسفة معينة بدل أن يمارس تلك الفلسفة.. وصار هم الدارس أن يجد ما يبرر أو يدعم فلسفة ما أو ينتقدها بدل أن يعيشها، لذلك ازدادت الفجوة بين الفلسفة والثقافة بمعنى الوعي. وأصبحت الثقافة تجميع وتحصيل المعلومات ولم تعد وعياً وصارت الثقافة التي تدور في فلك فلسفة ما؛ مجرد ثقافة تقريرية وليس تحليلية .. تهتم بالجامد والثابت بدل أن تهتم بالمغيرات على كل صعيد. ذلك ما ساد الواقع في الغرب في القرن التاسع عشر، ما أدى إلى نشوء شبه ثقافة "إقليمية" متعصبة لا تعرف معنى الانفتاح، كل همها هو الغوص في التاريخ، للبحث عن كل ما يدعم وجهة نظر فلسفة ما من الفلسفات التي رافقت نشوء القوميات في الغرب، فتلك الفلسفات أدت إلى اعتبار الاستقلال الثقافي هو من مظاهر وعناصر اكتمال الشخصية القومية، فأدى ذلك إلى انتشار روح التعصب والتشنج في تطبيق تلك المفاهيم، وكثر الحديث عن الاستقلال السياسي والاستقلال الثقافي. ذلك هو جزء من الصراع بين الفلسفة والدين، فقد كان العداء هو الطابع العام الذي حكم علاقة الفلسفة بالدين، باستثناء فترات متقطعة من التاريخ، والفلسفات كانت تبحث دوماً عن مبدأ تعتمد عليه يساعدها على الانتشار، في الوقت الذي عجزت فيه أن تبني لنفسها حضارة تسمى حضارة الفلسفة كما كانت هناك حضارة الأديان. ولو أردنا التعمق أكثر في هذه الناحية لوجب أن نسأل ـ لماذا هناك حضارة "مسيحية" وحضارة إسلامية ولم تكن هناك حضارة نيتشة أو حضارة كيركيغارد؟ الأمر واضح هنا ويمكن أن يشكل ختام البحث. في الفلسفة لم يكن هناك أي اهتمام أن تتحول المعرفة إلى الممارسة .. المعرفة الفلسفية اُستخدمت كأداة للبحث والتحري ولم تستخدم وسيلة في الممارسة، والتعاليم الفلسفية ظلت بالمطلق من ناحية التطبيق، وإن اُستخدمت في تبرير أنظمة سياسية معينة .. وقيام  مدارس في البحث والمنطق .. بينما عمدت الديانات كلها، الوضعية والسماوية ـ على حد سواءـ إلى الممارسة، فكان مقدار الولاء هو في مقدار التمسك بممارسة تلك التعاليم. ومن هنا نرى أن تمسك المسلم بدينه أدى إلى قيام حضارة إسلامية، تتشابك في أذهاننا فنسميها تارة حضارة إسلامية وتارة نسميها ثقافة إسلامية .. ولو بحثنا لوجدنا أن الفواصل تنهدم بين الثقافة والحضارة، وهي منهدمة بطبيعتها بين الثقافة والوعي .. ولذلك يمكن أن يتضمن التعريف أيضاً الحديث عن الوعي الإسلامي فنكون كمن يتحدث عن الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية .. وما ينطبق هنا ينطبق بالنسبة للحضارة "المسيحية" والثقافة المسيحية والثقافة اليهودية والحضارة اليهودية بمعنى الحضارة الأوسع والأشمل أي الالتزام وبناء شخصية متميزة ([12]). ذلك خلاصة بحث كتبه شتيغر يربط فيه بين الثقافة والتاريخ والوعي ذاماً فيه الفلسفة التي عجزت عن صنع حضارات لها، ولكنها صنعت قوميات ودول شوهت مفهوم الثقافة، وأنشأت ثقافات وطنية متعصبة ضيقة الأفق، باسم الاستقلال السياسي والاستقلال الثقافي، على الرغم من أنها تنتمي في الوقت نفسه إلى ثقافة أشمل وأوسع، هي الثقافة الغربية. وأن ذلك هو الفارق البسيط جداً الذي يميز بين الحضارة والثقافة ويجعل الثانية جزء من الأولى. ذلك الذي حدث في الغرب وكان نتيجة لحروب الاستقلال الأوروبية، ونتيجة للتغيرات التي صاحبت عصر النهضة الأوروبية، هو نفسه الذي يعيشه وطننا بعد عقود الاستقلال القطري الذي رسمت حدوده اتفاقية سايكس ـ بيكو ، حيث سعت الأنظمة القطرية إلى خلق قسري لما يسميه رياض نجيب الريس " ثقافة الكيانات الحضارية القروية" كجزء من المحاولات المعقدة، من الداخل والخارج، لإبقاء العرب مجزئين([13]). وليت الخطر على وجودنا كأمة وقف عند ذلك الحد؛ لا! فأقطار سايكس ـ بيكو إلى جانب سعيها الحثيث لتكوين ثقافة قطرية مشوهة" ثقافة الكيانات الحضارية القروية"، وتكريس حدود التجزئة الجغرافية نفسياً، فقد عمل فيها الغرب المستكبر وأنصاره طوال عقود الاستقلال الشكلي التي مضت، على خلق كيانات ثقافية عشائرية محلية، من أجل تهيئة أوضاع تلك الأقطار في الوقت الذي ستعولم فيه ثقافتها وثقافة العالم، لمزيد من التشطير والتفتيت، وإضعاف الأمة، ذلك ما أعلنت عنه وزيرة خارجية الولايات المتحدة التوراتية أثناء العدوان على لبنان في تموز/يوليو 2006: أن اتفاق سايكس ـ بيكو لم يحقق أهدفه.
هكذا أصبح واضحاً معنا أن الثقافة والحضارة والمجتمع جميعها لها نفس المعنى والدلالة، واستعمال مفردة منها يدل على بقية المفردات، وعلى ذكر علاقة الثقافة بالوعي والممارسة، وأن الثقافة هي الوعي، قبل أن نتحدث عن علاقة الحضارة أو الثقافة أو المجتمع بالدين، سنتحدث عن دور التفاعل كشرط للحضارة، والفعالية كأحد أهم خصائص الحضارة الغربية.


[1] - نظرية الثقافة ، مجموعة من الكتاب الغربيين، ترجمة الدكتور / علي سيد الصاوي، مراجعة وتقديم الأستاذ فاروق زكي يونس، كتاب عالم المعرفة، (223) سلسلة كتب ثقافية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والآداب، الكويت ، صفر 1418هـ يوليو / تموز 1997، المقدمة ص9-10 .
[2] - سليمان إبراهيم العسكري ، مجلة العربي ، مرجع سابق.
[3]  جميل عائد الجبوري، مرجع سابق، ص14.
[4] صامويل هنتنجتون، "الغرب إنه فريد ولكنه ليس كلياً جامعاً"، عن مجلة فورين أفيرز الأمريكية، ترجمة فاضل جكتر، مجلة "الرسالة"، دورية متخصصة، تصدر عن المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، العدد الرابع، أغسطس/آب 1997.
[5] شروط النهضة، مرجع سابق، ص89.
[6] - محمد أحمد بيومي، مرجع سابق، ص73.
[7]  نظرية الثقافة، مرجع سابق، ص31.
[8] - نظرية الثقافة، مرجع السابق، ص7-8.
[9] - محمد أحمد بيومي ، مرجع سابق، ص13-14 .
[10] جعفر شخ إدريس (أستاذ دكتور)، العولمة وصراع الحضارات، مجلة البيان................
[11] - محمد أحمد  بيومي، مرجع سابق، ص84.
[12]  هانز ألبرت شتيغر "الثقافة ، جسر عبر الحدود" ترجمة سليم سالم ، مجلة الثقافة العالمية، دورية تصدر كل شهرين عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت، العدد (2) السنة الأولى، المجلد الأول، ربيع الأول 1402هـ - يناير / كانون الثاني 1982م .
[13] - على فخرو "رؤية ثقافة في دول مجلس التعاون" مجلة المستقبل العربي، العدد (234) .

معركة المفاهيم والمصطلحات في واقعنا العربي الاسلامي 3

الثقافة والمدنية  Civilization & Culture
أما إذا أخذنا بالترجمة العربية لكلمة Culture أنها تعني "ثقافة"، وترجمة Civilization أنها تعني "حضارة"، ففي هذه الحال تصبح كلمة "ثقافة" تعني الجانب الذهني والمعنوي في حياة المجتمع، وكلمة "حضارة" تعني الجانب المادي. ويرى الأُستاذ (ساطع الحُصري) أن مفهوم الحضارة يتصل بمفهوم الثقافة اتصالاً وثيقاً، غير أنه يكون ـ بطبيعته ـ أوسع نطاقاً منه وأكثر شمولاً... لأن الثقافة تنحصر بالأمور الذهنية والمعنوية وحدها، في أن الحضارة تشمل الأمور والوسائل المادية أيضاً. والحضارة تتمثل بأحسن الصور وأجلاها العلوم والصنائع بوجه عام، وأما الثقافة فتظهر بأجلى مظاهرها في اللغات والأدب بوجه خاص. ولهذا السبب نجد أن الحضارة تكون بطبيعتها قابلة للانتقال من أمة إلى أخرى بسهولة. وقابلة للانتشار بين الأمم بسرعة، وأما الثقافة فتبقى خاصة بكل أمة وحدها، وإن أثرت ثقافات الأمم المختلفة بعضها في بعض، قليلاً أو كثيراً، حسب الظروف والأحوال. أما الأُستاذ إسماعيل القباني، يرى "إن مدلول الثقافة يشمل أسلوب الحياة في الأمة والجماعة كلها، بجميع مظاهره، فهو ينصب على الكيفية التي يمارس الناس بها وجوه النشاط المختلفة في البيئة التي يعيشون فيها: كيف يأكلون، وماذا يلبسون، وكيف يبنون مساكنهم، وبم يشتغلون كسب قوتهم، وكيف ينتقلون من مكان إلى مكان، وكيف يتراسلون، وكيف يتزوجون، وكيف يدفنون موتاهم، وكيف يقضون أوقات فراغهم، وما هي أفكارهم ومعتقداتهم، ودوافعهم وما هي آرائهم وفنونهم"[1]. وقد اعتبر الحُصري ذلك المعنى الواسع جداً للثقافة يقابل كلمة حضارة في مفهومها الأمريكي الذي يشمل الجانب المعنوي والذهني "الثقافة" والجانب التنظيمي والإداري والمادي "الحضارة والمدنية". كما تعني الكلمة في بعض المفاهيم الغربية كالفرنسية والألمانية.
هذا المفهوم الواسع لمعنى الثقافة؛ أكد عليه الدكتور صلاح قنصوة في مقدمته لكتاب صموئيل هنتنجتون "صراع الحضارات"، حيث قال: "إن الثقافة هي الكل المعقد المتشابك من أساليب الحياة الإنسانية والمادية وغير المادية ـ الفكرية والمعنوية أو الروحية ـ التي ابتذرها الإنسان واكتسبها ولا يزال يكتسبها بوصفه عضواً في جماعة أو مجتمع في مرحلة معينة من تاريخ تطوره تقدماً كان أو تدهوراً .. وللثقافة جانبان روحي أو غير مادي وهو الذي ينظم القيم والمعايير والنظم والاعتقادات والتقاليد، والمادي وهو الذي يتمثل بالتجسيد المحسوس للجانب المعنوي فيما يصاغ منه أدوات ومنشآت وهو الذي نسميه حضارة إذا ما كانت الجماعة المعينة مستقرة"[2]. وأخيراً تذكر الموسوعة الفلسفية أن الثقافة في اللغة الألمانية، وفي الأدبيات الأمريكية، كأمثلة للمقارنة؛ تستعمل مرادفاً لكلمة "حضارة"، لأن مفهومها ينطوي على معنيين: أحدهما ذاتي هو ثقافة العقل، وثانيهما موضوعي هو جملة الأحوال الاجتماعية والمنجزات الفكرية والفنية والعلمية والتقنية وأنماط التفكير والقيم السائدة، أي كل ما يتداوله الناس في حياتهم الاجتماعية من مكتسبات تحصل بالتأقلم والتعلم ... وهكذا تكون الثقافة وعاءً شاملاً لأنماط الإنتاج الفكري والإبداعي للمجتمع في مختلف أشكاله المعنوية والمادية، مما يجعلها تجسد رؤيته للعالم، وتمثل خلاصة ذاكرته الجماعية عبر تراثه الذي ظل حياً، كما تشكل منظومة قيم هذا المجتمع ورؤية أفراده للكون[3]. 
الحضارة والمجتمع
بداية سنحاول تقديم تعريف للمجتمع قبل أن نتحدث عن علاقته بالحضارة، ومعلوم أن الغربيين اختلفوا في تحديد تعريف واضح للمجتمع، وذلك راجع للأسباب التي سبق أن قدمناها عن الغرب وعلومه ، ولكن أكثر النظريات قبولاً في تعريف المجتمع، تلك النظرية التي عرفت المجتمع (على أنه نوعاً من الكائن العضوي، أي ينظر إلى المجتمع كنسق بيولوجي أو كائن أكبر ويشبه في تركيبته ووظائفه وفي أجزائه جسم الإنسان أو الفرد ويتعرض بقوانين مشابهة في اضمحلاله ... والتشبيه مجازي، لأنه يمكننا، لأنه لا يمكننا القول أننا ننتمي إلى المجتمع كما ننتمي لأعضاء الجسم"([4]). وبحكم أن العلاقة تبادلية بين الفرد والمجتمع والحضارة أو الثقافة؛ فقد قدمت بعض الدراسات تعريفات تربط بينها جميعاً فقد عرف رالف لنتون المجتمع بأنه عبارة عن مجموعة منظمة من الأفراد وأن المجتمع يستمر في البقاء طالما بقي أفراد من ذلك المجتمع أحياء إما بطريق التناسل أو بضم عناصر جديدة من السكان إليه، ويرى بعض علماء الاجتماع المحافظين أن المجتمع هو مجموعات من الأفراد تحاول أن تربط بعضها ببعض بواسطة وسائل وطرق مبتكرة([5]). وهناك من يرى أنه لابد أن يكون للمجتمع وجود ميتافيزيقي يشد حنين الفرد وتطلعاته إليه، ويكون فيه أخلاق طبعية تسهر على التعاون وتدفع للإسهام في البناء الاجتماعي أقوى من دافع الحاجة والوجود المادي. أي أن روحاً عليا يجب أن تسود المجتمع باسم دين من الأديان أو باسم القومية، أو الكرامة الإنسانية استجابة لقدي شعب خارجي أو ما شابه ، فوحدة الربط داخل المجتمع ليست مادية تخضع للتقدم التقني المتكامل المتماسك أو للحاجة الفردية([6]).ويعرفه المفكر المسلم الجزائري مالك بن نبي من حيث أن للمجتمع دور وظيفي؛ هو ليس مجرد مجموعة من الأفراد، بل هو تنظيم معين ذو طابع إنساني يتم طبقاً لنظام معين. وهذا النظام في خطوطه العريضة يقوم بناء على ما تقدم على عناصر ثلاثة: حركة يتسم بها المجموع الإنساني، وإنتاج لأسباب هذه الحركة، وتحديد لاتجاهها.[7] 
أما عن العلاقة بين الحضارة والمجتمع؛ فهناك من لا يعتبر أن المجتمع في حقيقته مغايراً للحضارة أو متميزاً عنها، لأن معظم حياة الإنسان تدور حول علاقات وتفاعلات المجتمع والحضارة، إلى درجة يصعب فيها التفريق بينهما، فالحضارة والمتجمع يستعملان كمترادفين في غالب الأحيان، وكلاً منهما ظاهرة من نوع خاص، لها ميزتها الخاصة ودورها. فالبعض قد فرق بينهما؛ مثل ألفرد فيبر، من حيث أن المجتمع هو مجموع الظواهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن الحضارة هي الفن والدين والفلسفة. وبذلك تكون الحضارة وجه من وجوه المجتمع وصفة من صفاته([8]). وكذلك رالف لنتون؛ فهو على الرغم من اعتباره أن الحضارة والمجتمع شيئان متلازمان إلا أنهما ظاهرتان من نوعين مختلفين يتصلان ببعضهما عن طريق الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع ويفصح عن نوع حضارته. فالمجتمع عبارة عن مجموعة منظمة من الأفراد، والحضارة مجموعة منظمة من الاستجابات التي تعلمها الأفراد وأصبحت من مميزات مجتمع معين. وإن كان لكل فرد شعوره المستقل وأعماله المستقلة، إلا أن هذا الاستقلال يتحدد واستجاباته تتعدل تعديلاً أساسياً نتيجة اتصاله بالمجتمع والحضارة التي ينشأ ويشب فيها[9]. إلا أن العلاقة الوحيدة التي يمكن تصورها بين المجتمع والحضارة هي علاقة تداخل بين المجالين. ذلك ما لاحظه كروبر عند كثير من المفكرين الاجتماعيين، حيث خلطوا بين المجالين. ذلك التداخل والخلط بين الحضارة والمجتمع وحتى الثقافة؛ نجده أوضح في تعريف المؤرخ الأمريكي ول ديورانت للحضارة، حيث يمزج بين الحضارة والمجتمع، معتبراً: "الحضارة هي نظام اجتماعي يُعين الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي بعناصر أربعة: الموارد الاقتصاديةـ النظم السياسيةـ العقائد الخلقيةـ متابعة العلوم والفنون"[10]. أما مالك بن نبي يرى؛ أن الشروط الأولية للحضارة (الإنسان والتراب والوقت) ترتبط بعلاقة عضوية أساسية تتجلى في كل عنصر من عناصر المجتمع الثلاثة لتؤكد وحدة تأثيره منفرداً في بناء العلاقات الاجتماعية، كما تتجلى في علاقته بالعنصرين الآخرين لتؤكد وحدة تأثيرها مجتمعة. وهي تتجلى بصفة خاصة في الإطار الشخصي للفرد، حين تقدم له بصورة ما جوهر نظام علاقاته الاجتماعية[11].  فالفرد يحقق ذاته إرادة وقدرة ليستا نابعتين منه، بل ولا تستطيعان ذلك، وإنما تنبعان من المجتمع الذي هو جزء منه[12].
يمكننا القول: أن المشترك بين الحضارة والمجتمع؛ هو النظام الاجتماعي أو البناء الاجتماعي، الذي يتكون من مجموع النظم الاجتماعية التي تحكم حياة أفراد المجتمع، وكل نظام منها يتكون من مجموعة من القيم التي تحدد هوية المجتمع وتميزه عن غيره، كما أن كل نظام من تلك النظم يعكس قيمه في مجموعة من المعايير التي قد تكون مكتوبة فتأخذ شكل القوانين، أو غير مكتوبة فتأخذ شكل العرف أو التراث. ويعكس أيضاً كل نظام بدوره مجموعة من التنظيمات الاجتماعية التي يسلك الفرد داخلها أنماط من السلوك تعكس العادات الاجتماعية أو الطرائق الشعبية، والتي تعكس بدورها هي الأُخرى ، تجاهات الفرد نحو النظام[13]. تلك النظم وما ينبثق عنها من قيم ومعايير؛ هي التي تحدد تصورات أي مجتمع عن طبيعة الإنسان، والحياة والكون، وعلاقاته بكل ما يحيط به في مجتمعه وفي العالم أجمع، فهي التي تحدد معتقدات وأفكار الجميع وهي التي ترسم وتحدد نوع السلوكيات والأخلاق، باختصار تلك النظم هي نوع الهوية والثقافة لأي مجتمع، لأن الذي يحدد نوع النظام الاجتماعي نفسه هو نوع الحضارة كما يقول رالف لنتون: (تعترف كل المجتمع بوجود أنظمة رسمية من العلاقات يحددها نوع الحضارة، وتتقبلها الأفراد طواعية واختياراً) ([14]).
سواء كانت الحضارة والمجتمع ظاهرتان من نوعين مختلفين، أو كانا شي واحد، فلا يختلف الباحثون والمفكرون على أن البناء الاجتماعي بنظمه المختلفة هو المشترك بينهما، وأن نوع الحضارة هو الذي يحدد نوع وهوية ذلك البناء الاجتماعي ونظمه التي ينبثق عنها قيم ومعايير المجتمع التي يؤمن بها الأفراد ويمارسونها في حياتهم الخاصة والعامة، فالحضارة نظم ، والنظم هو منهج حياة، ذلك ما يقربنا من اعتبار الحضارة بهذا المفهوم هي دين المجتمع، وذلك ما دفع الأستاذ محمد قطب إلى القول: لسنا ملزمين بمجاراة الجاهلية الأوروبية في مصطلحاتها، إنما نقول "الحضارة" هي الجانب المعنوي الذي يحمل القيم، والجانب المادي والتنظيمي على السواء. أي أنها دين، لأن النظم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.. والقيم والمبادئ .. هي الدين)([15]). لأن كل نظام ـ أي كل مذهب ـ لا بد أن ينطوي على عقيدة، ولا يمكن تصور مذهب بلا عقيدة، وأن من الممكن تصور عقيدة بلا مذهب، وكل مذهب يقوم دائماً على تصور اعتقادي يرتقي بالفرد إلى مستوى الإيمان بالمذهب، ويفرض مجموعة من القيم والمبادئ الأساسية التي لا غنى عنها[16].



[1] أبو خلدون ساطع الحصري، حول الوحدة الثقافية العربية، الأعمال الكاملة لساطع الحصري (12)، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة التراث القومي، بيروت، ط2، آب/ أغسطس 1985، ص19-20.
[2] أحمد ناجي أحمد، صدام الحضارات وثقافة التعبئة، ورقة مقدمة إلى الندوة التي نظمها "المركز العام للدراسات والبحوث والإًصدار" خلال الفترة 12ت16 يونيو 2002/، بعنوان: "الأصوليات الدينية وحوار الحضارات"، الجزء الأول، الطبعة الأولى 2002، ص64.
[3]  سليمان إبراهيم العسكري، "الثقافة في زحام الإصلاح"، مجلة العربي، مجلة شهرية ثقافية مصورة، تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت، العدد (561)، أغسطس 2005.
[4] - محمد بيومي، المجتمع والثقافة والشخصية، دراسة في علم الاجتماع الثقافي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ص8-9 .
[5] - رالف لنتون "دكتور"، شجرة الحضارة، ترجمة: أحمد فخري، الجزء الأول، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص65-68 .
[6] - يوسف الحوراني، الإنسان والحضارة، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت ـ صيدا ـ الطبعة الثانية، 1973م ، ص17 .
[7]  مالك بن نبي، ميلاد مجتمع شبكة العلاقات الاجتماعية، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، ص15.
[8] - زكريا فؤاد ، ص11 .
 [9] رالف لنتون، مرجع سابق، ص65 ، 71.  
[10] علي هود باعباد (أستاذ دكتور)، "التربية والثقافة الإسلامية"، الثقافة الإسلامية، مجموعة من الكتاب، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الخامسة، 1994، ص410.
[11] ميلاد مجتمع، مرجع سابق، ص26 ،27.
[12]  مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ترجمة الدكتور بسام بركة والدكتور أحمد شعبو، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1413ه-1993م، ص42.
[13] محمد أحمد بيومي "دكتور"، المجتمع والثقافة والشخصية دراسة في علم الاجتماع الثقافي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ص 16ـ18.
[14] - رالف لنتون، مرجع سابق، ص70.
[15] - محمد قطب، واقعنا المعاصر، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1418ه-1979م، ص94، وص325.
[16]  سليمان الخطيب، مرجع سابق، ص137.

معركة المفاهيم والمصطلحات في واقعنا العربي الاسلامي 2

معركة المفاهيم
الحضارة .. الثقافة .. العولمة .. الدين
وجهة نظر 2

منشأ الاختلاف

اختلفت الترجمات العربية لمعاني ومفهوم ومدلول كلمتي Civilization & Culture  الغربيتين، وما يقابلهما في ديننا الإسلامي ولغتنا العربية وتاريخنا الاجتماعي، حيث تم ترجمتها إلى ثلاثة كلمات (حضارة، ثقافة، مدنية). ومنشأ الاختلاف في تعريف تلك المصطلحات هو أن تلك الكلمات في الأصل كلمات غربية وليست عربية، وعندما نقلها لنا من نقلها ترجمها لنا ترجمة حرفية بدلالاتها ورمزيتها في لغتها الأصلية، دون أن يبين أو يتبين أوجه الاختلاف بين تلك المصطلحات التي تتناسب والمجتمع الغربي والثقافة الذي نشأت فيها وتم التعارف عليها من خلالها، وبين المجتمع الإسلامي الذي يختلف اختلافاً واضحاً في نشأته وثقافته وتطوره عن المجتمع الغربي. فالمجتمع الغربي له خصوصيته منذ نشأته الأولى، تلك الخصوصية صاحبته عبر مراحل تاريخه وتطوره، وهي: أنه نتاج الجهد والعقل البشري وليس نتاج المنهج السماوي، حتى تلك الحقبة الزمنية التي حكمت فيها الكنيسة باسم الدين السماوي؛ كان ذلك الدين السماوي قد اختلط بأديان البشر وتسربت له كثير من معتقداتهم، حتى أخرجته عن سماويته وحولته إلى دين وثني، وعندما تخلص المجتمع الغربي من سطوة وسيطرة الكنيسة نهاية العصور الوسطى الأوروبية، انتكس انتكاسات مدمرة إنسانياً في إلحاده ووثنيته، إلى أن وصل به الحال إلى ما نحن عليه الآن من وثنية بشرية، ودين "أخلاق السوق" كما وصفه المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي. ففي الغرب يُعرفون الثقافة؛ كما يقول مالك بن نبي: على أنها تراث (الإنسانيات الإغريقية اللاتينية)، بمعنى أن مشكلتها ذات علاقة وظيفية بالإنسان: فالثقافة على رأيهم هي: (فلسفة الإنسان). ونفس الأمر حدث في الاشتراكية، حيث يطبع تفكير ماركس كل القيم، عرف (يادانوف) الثقافة ـ في تقريره المشهور الذي قدمه للحزب الشيوعي في موسكوـ على أنها ذات علاقة وظيفية بالجماعة، فالثقافة هي: فلسفة المجتمع[1]. كما أن منشأ الاختلاف يعود إلى الترابط العضوي والتداخل بين كلمات مثل: الحضارة والمدنية والثقافة والمجتمع والتاريخ والوعي والدين، فكلها قد تترادف، وقد تكون إحداها جزء من كل، أو قد تكون صفة ملازمة للأُخرة..إلخ. أضف إلى ذلك أن ترجمة كلمتي Culture & Civilization من لغاتها الأوروبية إلى اللغة العربية؛ حدث فيه اختلاف واضح وبيّن. أضف إلى ذلك أن هناك من اعتبر الحضارة صفة للإنسان بوجه عام، وأنه ما من شعب أو جماعة أو مجتمع إلا كان له نصيب كثُر أو قل من الحضارة، وأن الحضارة خاصة بمجتمع الإنسان دون الحيوان وغيره من المخلوقات الأخرى على الأرض، وهناك من أدخل عالم الحيوان ضمن مفهوم الحضارة، واعتبر أن بعض حياة الحيوانات فيها نظام حضاري.  
مما سبق يتضح أن هناك من ضيق مفهوم ومدلول كلمة "حضارة" وهناك من وسع ذلك المفهوم وجعله شاملاً لجميع نواحي الإنتاج الإنساني العقلي والمادي. وهناك من اعتبرها مرادفاً لكلمة "ثقافة"، وهناك من اعتبر الثقافة جزء من الحضارة، وهناك من اعتبر أن كلمة "حضارة" تشير إلى جانب في حياة المجتمع وكلمة "ثقافة" إلى جانب آخر. وهكذا، وكل ذلك ناشئ بسبب أن هذه الكلمات في أصلها ليست عربية، ولا هي من إنتاج تاريخنا الاجتماعي وتطوره، وليس لعجز ديننا أو لغتنا العربية عن إيجاد معاني دقيقة مقابلة لها، ولكن بسبب عجز من قاموا بترجمتها وتعاطيهم مع العلوم التي نشأت فيها تلك الكلمات بإلغاء العقل والتاريخ والخصوصية والتسليم بها وكأنها مُنَزّلة، دون النظر إلى الاختلافات التي تميز تلك المجتمعات والبيئات الدينية والفكرية التي نشأت فيها عن مجتمعنا وديننا. ولكي نحاول توصيل الفكرة أو المعنى الخاص بنا، الذي نراه مقابل لجميع تلك المعاني سنتحدث عن العناوين التالية:
ـ اختلاف الترجمات العربية لكلمتي Culture  & Civilization
ـ الحضارة والمجتمع             ـ الثقافة والمجتمع      ـ الحضارة هي الثقافة مكبرة
ـ علاقة الثقافة بالتاريخ والوعي  ـ التفاعل والفعالية      ـ الحضارة "الثقافة" والدين
ـ تعريف الدين ودوره الوظيفي في الغرب      ـ الفارق بين الثقافة الإسلامية والغربية
ـ الحضارة هي الحضور والشهود إسلامياً.
الحضارة والمدنية Civilization & Culture
تبدأ الصعوبة في تحديد معنى واحد لمدلول كلمة الحضارة والمدنية في اللغة العربية إلى أن هناك من ترجم الكلمة Culture على أنها تعني حضارة، والكلمة Civilization على أنها تعني المدنية، ومن أخذ بهذا التفسير أو تلك الترجمة، اعتمد على أن هناك تباين شديد في آراء المفكرين حول مدلول كل كلمة، وأن هناك تمييز عندهم بين معنى الحضارة والمدنية، فالحضارة تعني الظواهر الثقافية والمعنوية في حياة أي مجتمع، والمدنية تعني الظواهر المادية في حياة المجتمع. وقد فرق البعض بين الكلمتين؛ على اعتبار أن الحضارة ترتبط بالمُثل السائدة في المجتمع، التي تجمع بين أفراد المجتمع كله في وحدة معنوية واحدة، والبعض ربط المدنية بالأوجه العملية والمادية لحياة المجتمع. وهناك من فرق بينهما على أساس أن المدنية تتعلق بالوسائل، والحضارة تتعلق بالغايات مثل ماكيفر فالمدنية تشتمل على مظاهر التقدم الصناعي والاقتصادي، والحضارة ترتبط بالقيم الإنسانية الكامنة، التي هي غايات مقصودة لذاتها. إلا أن البعض رأى أنه يستحيل أن يجعل من هذه التفرقة أساساً للتمييز بين الحضارة والمدنية، لأنها لم تفلح في التمييز بين الوسيلة والغاية في ميداني العلم والنشاط الاقتصادي. أما ألفرد فيبر فقد وضع أساساً آخر للتمييز بين المدنية والحضارة، على أساس أن المدنية تقبل أن تنقل وتتوارث من جيل إلى آخر، وكل جيل يبدأ في مدنيته عند النقطة التي انتهى إليها الجيل السابق، فالمدنية تراكمية، ثم إن المدنية في وسع سائر الشعوب اقتباسها، أما الحضارة فهي إنتاج مستقل يصعب انتشاره من مجتمع لآخر. كما يصعب القول فيها أن الأجيال اللاحقة يمكنها أن تتفوق فيه على الأجيال السابقة. وهذا الرأي أيضاً للبعض عليه ملاحظات[2].
وغالباً بدأ التمييز بين الحضارة والمدنية في المدرسة الألمانية والفرنسية، ففيلسوف الحضارة الغربية الألماني (أزوالد شبنجلر)، صاحب نظرية صعود وسقوط الحضارات، الذي تنبأ بانهيار وتدهور الحضارة الغربية ووصولها لنهايتها، وبغض النظر عن وجهات النظر المؤيدة والمعارضة لهذه النظرية، قد جعل لكل حضارة مدنيتها الخاصة معتبراً أن المدنية Civilization هي نهاية مطاف الحضارة، وأنها المصير المحتوم للحضارة، والمدنية عند شبنجلر هي، نتيجة الشيء "يصير"، يخلف الشيء في حالة الصيرورة، إنها الموت يتبع الحياة، فهو يرى أن حيوية الإنسان الحضاري تتجه في مجراها إلى الباطن، أي أنها تهتم بالجانب الذهني والمعنوي والعقلي والأخلاقي في حيان الإنسان والمجتمع، الذي يمثل الجانب الأقوى في أي أمة، ويحافظ على استمرار قوتها وتماسكها وتقدمها. بينما تتجه حيوية الإنسان المدني إلى الخارج، أي للاهتمام بالجانب المادي وتوفير الرفاه والراحة للإنسان، وإشباع حاجاته ورغباته، وذلك يؤدي إلى تراجع في الجانب الأول الذي هو أصل الحضارة، مما يؤدي إلى الانحلال والتراخي الخلقي والاجتماعي وغيره، الذي يؤدي إلى تدهور تلك الحضارة وسقوطها ونهايتها. وبذلك تكون Culture عند شبنجلر هي الحضارة أي الجانب الذهني والمعنوي وCivilization هي المدنية أي الجانب المادي[3]. في حين يرى البعض أن العرف جرى على اعتبار أن لفظي "المدنية والحضارة" مترادفين عربيين لمفهوم كلمة Civilization، ولكن العلوم الإنسانية الحديثة تقصر مصطلح المدنية على المستوى الراقي من حياة المجتمع المادية التي تتمثل في العمران وتخطيط المدن وتنظيمها وتوافر مرافقها، والتنوع والتفنن في مطالب الحياة الضرورية والكمالية، من مأكل ومشرب، وملبس، ومسكن وترويح للنفس. أما الحضارة: فمصطلح يطلق على النواحي الفكرية والخُلقية والاجتماعية من حياة المجتمع، التي تتمثل في العلوم والآداب والفنون ونظم الحكم ودساتير السلوك والآداب والتقاليد والأخلاق العامة والعقيدة الدينية. ولقد رأى البعض أن معنى الحضارة يشمل نتاج العقل والفكر ممثلاً في الكتب والصور والعقائد والمعارف والنظم الاجتماعية والسياسة والمعاني الضخمة الجميلة والسلوك الحميد ووسائل النقل والسفر..إلخ. ومعنى هذا أنها تشمل الدين واللغة والأخلاق والعلوم والفنون والصناعات والعادات، فهي إذن ثقافة أو طابع يتسم به جماعة كبيرة من الناس فترة من الزمان. وعلى ذكر الثقافة، فإن معظم الباحثين اليوم يتفقون على أن كلمة ثقافة عندنا ـ في اللغة العربية ـ تقابل ما يسميه الغربيون Culture، فبين اللفظين شبه في أصل المعنى، وكلتاهما تعني التهذيب والتربية والتنمية، ومن هنا أصبح المدلول العام لكل من هاتين الكلمتين العربية والإفرنجية الجانب الروحي المعنوي من حياة الفرد والجماعة([4]).


[1]  مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة: عمر كامل مسقاوي، عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، الطبعة الرابعة 1407ه ـ 1987، ص88.
[2]  - فؤاد زكريا "دكتور"، الإنسان والحضارة في العصر الصناعي، الناشر مركز كتب الشرق الأوسط، الطبعة الثانية، من ص12 إلى 20.
[3] - أوزالد شبنجلر ، تدهور الحضارة الغربية، الجزء الأول ، ترجمة أحمد الشيباني، دار مكتبة الحياة، لبنان، يراجع من ص87 وما بعدها.
[4] - زكريا هاشم زكريا، فضل الحضارة الإسلامية والعربية على العالم، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة ـ القاهرة، ص52-55.